تساقطت الأمطار بغزارة غير مسبوقة، مما حول الأرض إلى ساحة معركة مروعة بين قوى الطبيعة والبنية التحتية الضعيفة، تجسد هذه الفيضانات التي شهدها جنوب المغرب مأساة حقيقية، حيث لم تقتصر على خسائر بشرية ومادية فحسب، بل كشفت أيضا عن عمق هشاشة الاستعدادات لمواجهة الكوارث الطبيعية.
بدأت الأمطار الغزيرة تنهمر كأنها عاصفة من الغضب الإلهي، مغيرة مشهد الجبال والصحارى التي كانت في حالة جفاف دائم. في غضون ساعات، ارتفع منسوب المياه بشكل مذهل، ليغمر المدن والقرى على حد سواء.
الشوارع التي كانت عامرة بالحركة تحولت إلى أنهار متدفقة، والمنازل التي كانت في يوم من الأيام ملاذا آمنا أصبحت عائمة على بحيرات من الطين والدمار.. البنية التحتية التي كافحت طويلا لتلبية احتياجات المجتمع، انهارت تحت وطأة المياه المتدفقة، تاركة خلفها شوارع مدمرة وسدودا مكسورة.
تضررت المحاصيل الزراعية التي كانت تعتمد عليها الأسر البسيطة لتوفير قوتها اليومي، إذ اجتاحت المياه الحقول، مما أدى إلى تدمير المحاصيل ودمار مصادر الغذاء الأساسية. هذا الدمار لم يكن مجرد خسارة مادية صرفة، بل كان أيضا ضربة قاسية للقلوب التي اعتمدت على هذه الموارد للبقاء.
الأثر الإنساني كان مؤلما ومؤثرا بشكل عميق، فقد العديد من الأشخاص حياتهم، بينما تعرض آخرون للإصابات.. الأسر التي كانت تعيش في سلام نسبي وجدت نفسها فجأة في وسط كارثة، تُجبر على مغادرة منازلها وأراضيها. هؤلاء الذين كانوا يستقبلون الصباح بابتسامة، أصبحوا الآن يواجهون عاصفة من القلق والخوف.
العدد المتزايد للمتشردين والمتضررين يُظهر حجم الكارثة.. العائلات التي كانت تعتمد على منازلها كملاذ آمن تجد نفسها الآن في العراء، تبحث عن مأوى في خيم أو مع الأصدقاء والعائلة، بينما تزداد الأعداد، ويُبنى صرح من الألم والمشاركة الجماعية في معاناتهم.
البنية التحتية التي كانت أساسية للحياة اليومية أصبحت في حالة خراب، مما أوقف حركة النقل، وأدى إلى تعطيل الأعمال ، وخلق عبئا إضافيا على الموارد المحلية التي كانت بالفعل على حافة الانهيار.
لكي نواجه مثل هذه الكوارث في المستقبل، يتطلب الأمر استجابة استراتيجية وجادة، علينا أن نتعلم من هذا الدمار ونضع سياسات استراتيجية للتحكم في الأضرار والتخفيف منها.
من الضروري تعزيز البنية التحتية وتحسين نظم تصريف المياه، وبناء سدود وممرات مائية قادرة على مقاومة الفيضانات.
يتعين علينا أيضا التركيز على التخطيط الحضري الذي يأخذ في اعتباره المخاطر المحتملة، وتطوير استراتيجيات فعالة لإدارة المخاطر والطوارئ.
إذا كانت هذه الفيضانات قد علمتنا شيئا، فهو أن الحياة لا يمكن أن تستمر على نفس الوتيرة القديمة.. علينا أن نعيد بناء ما دمرته الطبيعة، وأن نعمل بجد لبناء مجتمع قوي ومستعد لمواجهة التحديات القادمة.. من خلال الوحدة والتعاون، يمكننا تحويل هذه الكارثة إلى فرصة لبناء مستقبل أكثر أمانا ومرونة.
فإلى متى؟؟!!