في عالم السياسة والإدارة، تظل بعض الأسماء غامضة، تتلاشى في ظلال الأحداث، بينما تصعد أخرى إلى الواجهة؛ هكذا هو حال الوالي يونس التازي، الذي انزوى لوقت طويل كمن يرتدي عباءة النسيان. لكن، وعندما قرر كسر الصمت، جاءت عودته مثيرة للجدل، مفعمة بالانفعالات والاتهامات.
كأنما اختار التازي الاختباء في كهوف الظل، بعيدا عن الأضواء التي كانت تسلط عليه يوما ما. كانت فترة الانزواء بالنسبة له بمثابة فترة تأمل، لكنه كان أيضا زمنا تُنسج فيه قصص عن القضايا التي أحرجته ووجهت له سهام الانتقادات.
عُرف كوالي يمتلك ناصية الأزمات، لكن تلك الأزمات أخذت تنمو كالفطر في غيابه، فصمت الوالي لم يكن هروبا بقدر ما كان تصعيدا للأزمات التي كانت تنتظره في انتظار ظهور جديد.
عندما قرر التازي الظهور مجددا، لم يكن ذلك بعباءة المسؤول الحكيم، بل كأنما أخرج سيفه ليهاجم.
في خطابه الأول بعد الغياب، انطلقت منه هجمات لا تحصى ضد الصحافة ووسائل الإعلام، لم يكن حديثه عن الانفتاح أو التعاون، بل كان زوبعة من الاتهامات ضد أولئك الذين اعتبرهم حُماة الحقيقة.
في نظره، كانت الصحافة تنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة التي تلحق الضرر بسيادته، فَتَخَيَّلَ كأنه في ساحة قتال يتصدى لخصومه، لا كمسؤول يسعى لتحقيق المصالح العامة.
إن مناصب المسؤولية في الدولة، وعلى رأسها منصب الوالي، ليست هبة شخصية، بل تكليف من صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، لخدمة الشعب، وتنفيذ المشاريع التنموية، وتحسين حياة المواطنين.
التازي تم تعيينه من قبل جلالة الملك، ليس لحماية مصالح شخصية أو الهجوم على الصحافة التي تنقل نبض الشارع، وإنما للقيام بواجبه الوطني، ولتقديم حلول لتحديات الجهة التي يشرف عليها، خاصة وأن التوجيهات الملكية كانت دائما واضحة، مفادها العمل والتفاني في خدمة الوطن، وليس الانشغال بالرد على الانتقادات أو الدخول في نزاعات هامشية.
من هذا المنطلق، تبرز مسألة دور الصحافة التي لم تكن في أي وقت من الأوقات عدوا، بل هي جزء من آليات الرقابة التي تضمن الشفافية، وعلى الوالي أن يعلم أن انتقاد التدبير السيئ ليس هجوما شخصيا، بل واجب مهني، فالصحافة في النهاية، مرآة للواقع، وصوت للشارع الذي يُطالب بتحسين الأوضاع وتجاوز الأخطاء؛ وما كان على التازي إلا أن يستفيد من هذه الانتقادات ليُراجع نفسه، لا أن يهاجمها.
إن قصة الوالي يونس التازي تحمل عبرا تعكس أهمية الشفافية والصدق في الخطاب السياسي، فالصمت قد يكون سلاحًا ذا حدين، وعندما يختار المسؤول الانزواء، يصبح غارقا في الأوهام، بينما يستمر العالم في التحرك حوله.
ونحن من هنا، نؤكد أن الهجوم على الصحافة لن يُغير من مسار الأحداث، بل قد يُعقد الأمور أكثر.
إن المأساة هنا ليست في الأخطاء، بل في عدم تقبل النقد، حيث أن التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على التكيف مع الحقيقة مهما كانت مُرَّة.
ولا ننسى أن الصحافة لا تسعى إلى تلقين الدروس أو الدخول في معارك شخصية مع المسؤولين، لكنها تبقى حارسا لقيم الشفافية والمساءلة. وإذا تطلب الأمر إعطاء دروس في احترام المسؤولية وحسن التدبير، فسيكون ذلك واجبا على الجميع.
المجتمع المغربي لم يعد يقبل التهرب من المسؤولية أو تجاهل النقد البناء، ولن يقبل بمسؤولين يخوضون حربا ضد الإعلام بدل العمل على تحقيق التغيير والإصلاح.
تبقى الكلمات عابرة أيها المسؤول، لكن الأفعال تُخلد!