يبدو أن كل تلك الوعود التي قطعها حزب الأحرار على المغاربة، أثناء الحملة الانتخابية في الثامن من شتنبر، تبددت، وانتهى أجلها بعد انتهاء الاستحقاقات الانتخابية، ومع أول منعطف اتضح أن هذا الحزب غير قادر على مسايرة التيار السياسي في البلاد، ومواكبة المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة.
أول منعطف
راكمت حكومة عزيز أخنوش منذ تعيينها من طرف جلالة الملك محمد السادس عدة اخفاقات، بداية بالصدام مع الراغبين في الترشيح لمهنة التدريس، حيث تم تسقيف سن الولوج لهذه المهنة، وهو ما يعني بالنسبة للمترشحين الذين لا يتوفر فيهم الشرط بمثابة إقبار لأحلامهم ومسارهم الدراسي.
وأخلفت الحكومة الموعد في عدة محطات، جعلت فيها من الصدام والوقوف ضد المصلحة العامة عنوانها الأساسي، الأمر الذي دفع المغاربة إلى رفع شعارات تطالب برحيله الفوري عن الحكومة، ولعل ما لم يستسغه الشارع المغربي هو الجمع المثير للغرابة لرئيسها بين السلطة والمال، خصوصا بعد الارتفاع المهول للمحروقات، التي يجني منها جيبه أرباحا خيالية.
الصمت ليس حكمة
راكمت الحكومة ما يمكن أن نطلق عليه “اللامبالاةوالتجاهل”، ففي عدة محطات نهجت سياسة الآذان الصماء، متجاهلة كل دعوة للتواصل أو الحديث، متحججة بأنها جاءت للعمل وليس للكلام.
وفي هذا السياق سبق للناطق الرسمي باسم الحكومة أن صرح في إحدى الندوات الصحفية أنه من غير الممكن الاستمرار وفقاً لآلية العمل التي كانت في السابق، وذلك في إشارة منه لفترة الحُكومة السابقة.
وأكد أن الحكومة المغربية ملتزمة بالعمل وفقاً لتعهدها مع المغاربة في الثامن من شتنبر -زمن الانتخابات- مشددا على أن أولوية تعزيز الدولة الاجتماعية، مع توطيد المرتكزات الاقتصادية.
حديث بيتاس، جاء في سياق سؤال صحفي عن الانتقادات التي توجهها بعض أحزاب المُعارضة إلى الحكومة، بشأن ما تسميه بـ”غياب النقاش السياسي”.
وأضاف أن “هناك اليوم حاجة ملحة لخدمات اجتماعية واقتصادية متعددة خاصة في سياق جائحة كورونا وما فرضته من إكراهات”، لافتا إلى أن الحكومة المغربية التي يقودها عزيز أخنوش، تقوم بهذه الأمور بكل جدية وبكل قوة.
تستاهل أحسن
تحت شعار “تستاهل أحسن”، أعلن التجمع الوطني للأحرار برنامجه الانتخابي، وقاد حملة شرسة وكبرى لم تبدأ خلال الفترة المخصصة لها، بل انطلقت قبل سنوات من العملية الانتخابية، عندما جاب المدن والقرى، بقافلة أطلق عليها 100 يوم 100 مدينة.
حاول آنذاك حزب الحمامة إقناع المغاربة، والتقرب منهم، وتقديم نفسه أنه الحزب المنقذ، وأنه يحمل للمغاربة مصباحا سحريا لكل أحلامهم ورغباتهم، وما أحلام المغاربة إلا تعليم وصحة وتشغيل.
وجد حزب الأحرار ضالته في رغبة المغاربة الملحة في الحصول على عمل، كما فعل سابقوه، فإذا كانت التجربة الماضية قد استغلت الخطاب الديني، فهاهو حزب أخنوش يستغل حاجة البسطاء.
ورفعت الحكومة من سقف تطلعاتها، وقادت حملات إعلامية جد مكثفة للتسويق لنفسها، عن طريق الإشهارات، فلا يكاد مكان عبر مواقع التواصل الاجتماعي يخلو من تواجد حملة إعلانية للأحرار، أو فيديو ترويجي يظهر فيه عزيز أخنوش رفقة مناصريه ومناضلي حزبه، وبعد الانتخابات، مر التسويق للعمل الحكومي حيث نشاهد دوما كابسولات توثق للعمل الذي تقوم به الحكومة، وتستعرض فيه “إنجازاتها” لكنها لم تكن تستعرض النجاح بقدر ما تعبر عن ضلوعها في الفشل وضعف التواصل السياسي، وعدم القدرة على التعليق، وتقديم شروحات كافية للمغاربة والتفاعل مع نبضهم، وتجاهلهم بصفة قطعية.
مسار الثقة ؟
صاغ حزب الأحرار تعهدات في كتيب من 165 صفحة أطلق عليه “مسار الثقة”، ومن أبرز ما جاء فيه، إحداث مليوني منصب شغل، وقد استهل الكتاب أحد فصوله التي خصصت للتشغيل بـ”الأحرار ينشدون الكرامة وضمان مستقبل الأجيال القادمة عن طريق توفير فرص الشغل”.
وقال الحزب إنه آن الأوان لمقاربة جديد، للتعاطي مع إشكالية البطالة “وإذا كنا نطمح فعلا إلى التقدم، فإن الإقتصاد المغربي في حاجة إلى جلب مزيد من الاستثمارات التي تدعم النمو الاقتصادي، والذي يوفر بدوره مناصب شغل قارة ويولد تحولا بنيويا في المجتمع”.
ويبدو أن ما خطه الأحرار في “مساره” مجرد أحرف فقط، لم تبدأ معالمها وملامحها تظهر على أرض الواقع، هنا سيقول قائل أن الأمر يتطلب وقتا ولا يمكن أن يتم تنفيذ التعهدات فور الصعود للحكومة، هنا الجواب الأمثل هو : “على الأقل بوادرٌ وإرهاصاتُ إصلاح وبداية التطبيق”، هنا يبقى السؤال الأهم الذي يطرح بإلحاح، هل خدع حزب الأحرار المغاربة بوعود معسولة ؟