قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأي يحمل عنوان “من أجل مجتمع متماسك خال من التسول”، إن “التسول ظاهرة اجتماعية شديدة التعقيد، تنجم عن التعرض لعدة عوامل اختطار مرتبطة بالمسارات الشخصية للأفراد المعنيين، وعلى نطاق أوسع بالسياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية”.
وأوضح المجلس أنه “حسب آخر بحث وطني حول هذا الموضوع، والذي يعود إلى سنة 2007، فإن عدد المتسولين قدِّر بنحو 200.000 شخص”.
وأكد أن عدة عوامل وغالبًا ما تكون مترابطة، تساهم في تعريض الأشخاص للهشاشة بدرجات متفاوتة، وهو ما يفسر عدم تجانس “بروفايل” المتسولات والمتسولين. وتتمثل هذه العوامل في الغالب في الفقر، وصعوبة الولوج إلى سوق الشغل، والترمل لاسيما بالنسبة للنساء، والطلاق، والتخلي الأسري، وتدني المستوى الدراسي والتكويني، وتراجع قيم التضامن العائلي، والوضعية الصحية، فضلا عن الاستعداد القبلي لدى المواطن لمد يد العون للمتسولين.
وقال إنه “أمام استمرار التحديات التي تطرحها ظاهرة التسول، فإن المقاربة المعتمدة حاليا على الصعيد الوطني في مجال محاربة التسول غير ناجعة بالقدر الكافي”.
فعلى مستوى المقاربة الوقائية، -يضيف المجلس- لا تتيح البرامج الاجتماعية لمحاربة الفقر والهشاشة، بسبب طبيعتها المجزأة ومعايير الاستهداف المعتمدة وكيفيات التنفيذ، التصدي بشكل كاف ومستدام للانعكاسات السلبية للفقر والهشاشة على الفئات المعوزة، التي تظل في الغالب خارج نطاق تدخل هذه البرامج.
وعلى مستوى التكفل الاجتماعي، سجل المجلس أن الموارد البشرية والمادية المخصصة للمراكز الاجتماعية التابعة لمؤسسة التعاون والوطني، وكذا لخطة العمل الوطنية لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول (تم إطلاقها سنة 2019)، لا تزال، حسب الفاعلين الذين تم الإنصات إليهم، محدودة للغاية بالنظر إلى حجم الظاهرة.
أما على صعيد المقاربة الزجرية، فإن تجريم المُشَرِّع المغربي للتسول والتشرد على مستوى الفرع الخامس من مجموعة القانون الجنائي يتسم بمحدودية فعليته وبكونه يتناقض مع مقتضيات أخرى من هذا القانون ويتنافى مع المعايير الدولية ذات الصلة الجاري بها العمل.
ورأى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن الحد من ظاهرة التسول، يقتضي التنزيل المتجانس والمُنَسَّق لجملة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق هدفين، هما ضمان احترام مقتضيات الدستور، لاسيما في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص في وضعية تسول، دون أي تمييزٍ أو وَصْمٍ، وضمان احترام النظام والأمن العام.
وقدم المجلس عدة توصيات، مقسمة على أربعة محاور، الأول يتعلق “بالقضاء على جميع أشكال تسول الأطفال”، من خلال تعزيز آليات حماية الطفولة على صعيد المجالات الترابية (وحدات حماية الطفولة) على مستوى الهيكلة والتنظيم وتوفير الموارد البشرية والمادية الضرورية، وكذا عبر تشديد العقوبات في حق مستغلي الأطفال والمتاجرين بهم، سواء كان هؤلاء من أسرة الطفل أو غُرَباء عنه.
ويهدف المحور الثاني إلى “حماية الأشخاص في وضعية هشاشة من الاستغلال في التسول”، من خلال تشديد العقوبات على الجنح والأفعال الجنائية التي يتم ارتكابها تحت غطاء التسول، طبقاً لمقتضيات القانون الجنائي، لاسيما ضد مستغلي النساء والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة، والنهوض بالسياسات المتعلقة بحماية ومساعدة الأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين، وتعزيز تدابير المواكبة والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين المُعَرَّضِين لممارسة التسول إما احتياجاً أو في إطار عصابات منظمة.
ويهم المحور الثالث “إعادة تأهيل وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية تسول”، وذلك عبر مراجعة الإطار القانوني الحالي، لاسيما من خلال إلغاء تجريم التسول، بالنظر إلى صعوبة تحديد دافع الحاجة ولأن الجرائم الفردية أو الجماعية المرتبطة بهذه الممارسة معاقب عليها في العديد من أحكام القانون الجنائي. وبالموازاة مع ذلك، ينبغي اقتراح بدائل دائمة للتسول، من خلال تعزيز السياسات المتعلقة بالمساعدة الاجتماعية وتطوير الأنشطة المدرة للدخل وتحسين التكفل بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية.
“أما المحور الرابع، فيتعلق “بالوقاية من التسول”، من خلال تعزيز قدرة الأُسَر على الصمود اجتماعياً واقتصادياً، وذلك عبر محاربة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية وتحسين الولوج إلى الخدمات الصحية والتعليم والتكوين والشغل.
وأوضح أحمد رضى شامي، في لقاء تواصلي لتقديم مخرجات رأي المجلس أن دواعي اشتغال المجلس على هذا الموضوع نابعة أساسا من كون هذه الممارسة لا مكان لها ضمن طموح الدولة الاجتماعية التي يسعى المغرب لإرسائها بشكل تدريجي بناء على أسس استراتيجية ومستدامة، وأيضا لكون هذه الممارسة تمس بالدرجة الأولى فئات هشة في حاجة إلى الحماية من كل استغلال وم تاجرة، لا سيما الأطفال والنساء والمسنون والأشخاص في وضعية إعاقة.
كما تنبع دواعي اشتغال المجلس على هذا الموضوع بحسبه من كون التسول انتهاك للكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للأشخاص الذين يمارسونه .