في مدينة مراكش، حيث يتصارع الطموح مع المصالح، وتشتبك الأعمال مع القانون، يثار حديثٌ ملح عن قضية غريبة طالت مغربيا عاد للوطن حاملا أحلام الاستثمار.
المواطن المهاجر، المتطلع للمساهمة في التنمية المحلية، وقع ضحية خداع محبوك بإتقان، خلفه أحد رجال الأعمال المدعو (ج. م) الذي استثمر ولاءه الظاهري لتحقيق مكاسب شخصية.
بدأت حكاية الخداع عندما أبرم المهاجر عقدا لكراء فندق لخمسة أعوام، بداية من يناير 2022، مقدما ضمانات مالية وصلت لـ150 مليون سنتيم، علاوة على تكاليف الإصلاحات، وهو على يقين أنه استثمارٌ طويل الأمد في أرضه ووطنه؛ لكن بعد تحرير العقد بأيام، اكتشف بأن المالك الأصلي للفندق كان لديه نزاع قضائي قائم مع (ج. م)، مما أثار الشكوك حول صحة الوضع القانوني للعقد بأكمله، ليصطدم بصدور حكم قضائي غيابي بإخلاء الفندق، وبدون إشعاره بوقائع القضية أو إخطاره بإنذارات قانونية كما ينبغي.
وما كان يظنه حلمه الجديد لبناء مستقبل استثماري، صار معركة قضائية معقدة مع تفاصيل تكشف عن تزوير وإنذارات وهمية.
ومع مرور الوقت، طالب المهاجر باسترداد أمواله وديونه على (ج. م) بسبب عدم توضيح الحلول القانونية لهذا النزاع. لم يحصل على رد، فاضطر لرفع دعوى قضائية طالب فيها بحقوقه.
وبينما كان ينتظر العدالة، صدم بقرار قضائي غير معلن يطالب بإخلاء الفندق ودفع مستحقات كبيرة، على الرغم من أنه سدد جميع دفعات الإيجار حتى أكتوبر 2023، ومتحصنًا بإيصالات بنكية تُثبت ذلك.
وفي أعماق هذا الملف، تكشفت سلسلة من الوثائق المزورة التي اعتمدت لتأكيد الإخلاء، معتمدةً على شهادات وإشعارات تبليغ من أطراف يشتبه في تزويرها؛ إذ تضمنت اسم شخص يدعى “بوشعيب. ا م”، الذي اتضح أنه صهر أحد المقربين من (ج. م)، مما يوحي بتورط شبكة معقدة تتداخل فيها المصالح الشخصية والتلاعبات.
كان من اللافت أن هذا الصهر لم يُعرَف من قِبل المهاجر، ولم يكن جزءا من فريقه أو مرتبطا بأي شكل معه، حيث تكشف الوثائق التي حصلت عليها الجهات القضائية أنه شخص عاطل تم استغلاله مقابل وعد بتوفير وظيفة له داخل الفندق، لتسهيل تبليغات مزورة كانت سببا رئيسيا في تضليل سير العدالة.
كل ذلك دفع بالمهاجر لتقديم شكاية رسمية للنيابة العامة بتطوان بتهمة التزوير في محاضر التبليغ واستعمال وثائق مزورة، موجهةً ضد كل من (ج. م) والشخصيات المرتبطة به، من بينهم صهره، الذي، وكما كشف التحقيق، قام بتسليم تبليغات مزورة تهدف إلى تنفيذ حكم الإخلاء.
وبفضل الحرفية التي أبدتها السلطات القضائية وتضافر جهود فرق الشرطة في مدن تطوان ومكناس ومراكش، تم توقيف مجموعة من المتورطين، واعترف المفوض القضائي بتطوان بالتهم المنسوبة إليه، كما تم استجواب كاتب المفوض الذي ثبت أنه تورط في إصدار تبليغات مزورة.
لكن هذا السيناريو لم يتوقف عند حدود مراكش؛ فقد تكشفت شبكة ممتدة تتورط في قضايا مماثلة في مناطق أخرى، حيث تم اعتقال المفوض القضائي ومساعديه بأمر قضائي من رئيس محكمة المشورة بمكناس، كما جرى إصدار مذكرة بحثٍ في حق الشخصيات المعنية بعمليات التزوير، التي طالت محاكم ومدنا عديدة في المملكة، مما يبرز تشابك قضيته بأبعاد خطيرة في عالم الاستثمارات.
على ضوء كل هذه الأحداث، عبَّر المهاجر عن ثقته المطلقة في نزاهة القضاء المغربي، مثمنا الدور الاحترافي الذي قامت به السلطات القضائية وأجهزة الشرطة في التعامل مع قضيته، آملا أن تكون هذه القضية بمثابة نقطة تحول تشكل رادعا أمام أي استغلال لضعف النظام القانوني في وجه الأطراف المخادعة.
ما تزال القضية جارية.. فماذا بعد؟