لم يكن مشهد أحمد عطاف، وزير الدولة ووزير الخارجية الجزائري، وهو يطرق أبواب دمشق بحثا عن “تخفيضات دبلوماسية” سوى حلقة أخرى من مسلسل الإحراج الدبلوماسي الذي بات عنوانا للسياسة الخارجية الجزائرية.
الرجل، مسلحا برسالة خطية من رئيسه عبد المجيد تبون، حمل حقائبه متجها إلى العاصمة السورية، حيث كان يأمل أن يعود إلى بلاده بصفقة ناجحة تضمن إطلاق سراح جنود جزائريين ومسلحين تابعين لجبهة “البوليساريو”، بعد أن وجدوا أنفسهم في قبضة هيئة تحرير الشام، عقب سقوط نظام بشار الأسد.
لكن يبدو أن عطاف لم يحسب جيدًا معطيات اللعبة السياسية الجديدة في دمشق، فالرئيس السوري الانتقالي، أحمد حسين الشرع، لم يتردد لحظة واحدة في رفض الطلب الجزائري، مؤكدا أن المعتقلين سيخضعون للمحاكمة إلى جانب فلول الأسد الذين اختاروا المراهنة على الحصان الخاسر.
هكذا، خرج وزير الخارجية الجزائري خاوي الوفاض، وكأن زيارته لم تكن سوى رحلة سياحية قادته إلى أبواب مغلقة لا يُسمح بفتحها لمن اعتادوا لعب دور “الكومبارس” في المسرحيات الإقليمية.
وكما جرت العادة، حاولت الخارجية الجزائرية تزيين الصورة المهترئة للزيارة، فأعلنت أن اللقاء كان مناسبة لبحث “آفاق التعاون وتعزيز علاقات الأخوة والتضامن”، وكأن حديث الرئيس السوري عن محاكمة الجنود الجزائريين كان مجرد سحابة صيف عابرة.
لكن الواقع كان أقسى من محاولات التجميل، فقد أظهر القرار السوري أن “النفوذ الجزائري” في المنطقة ليس سوى وهم تغذيه خطابات رسمية معتادة، وأن دعمها الأعمى لأنظمة فاشلة لم يعد يمر دون تكلفة.
والأكثر سخرية أن الجزائر، التي تصر على لعب دور “عرابة القضايا العادلة”، وجدت نفسها تدافع عن مرتزقة أُرسلوا لمساندة نظام لم يستطع الصمود أمام عاصفة التغيير، وكأنها لم تستوعب بعد أن دعمها اللامشروط لحركات مشبوهة لن يكون إلا عبئا إضافيا على سمعتها المتآكلة.
غادر عطاف دمشق وهو يعلم جيدا أن “الدبلوماسية الجزائرية” ليست سوى عنوان مضلل لسياسة ارتجالية، لا تعرف كيف تبدأ ولا كيف تنتهي.