في أقصى الجنوب الغربي للجزائر، حيث تمتد أراضي قاحلة وأفق لا ينتهي، توجد مخيمات تندوف، التي تحولت بعد الأمطار الغزيرة الأخيرة إلى مسرح لكارثة إنسانية غير مسبوقة.
آلاف العائلات التي عاشت تحت الخيام لسنوات طويلة تجد نفسها الآن بلا مأوى، بعدما دمرت السيول العارمة ما تبقى من خيامهم الهشة ومنازلهم الطينية التي كانت بالكاد توفر لهم الحماية من حرارة الصحراء. الأطفال يلعبون في الوحل، والأمهات يحاولن لملمة ما يمكن إنقاذه من ذكريات وحاجيات، بينما تستمر السماء في إغراقهم.
ما يزيد من قسوة هذه المأساة هو المشهد البعيد، حيث يعيش قادة جبهة البوليساريو الانفصالية حياة من البذخ والترف، في قصورهم الفاخرة المنتشرة بين الجزائر وأوروبا، بعيدا كل البعد عن المعاناة اليومية للمحتجزين.
في الوقت الذي تغرق فيه الخيام، تغرق قلوب هؤلاء في ألم عميق، إذ يدركون أن من يفترض أن يدافع عنهم وينصفهم، يعيشون رفاهية غير مبررة، متجاهلين نداءات الاستغاثة التي تنطلق من قلب المخيمات.
الفيضانات الأخيرة لم تكشف فقط عن هشاشة البنية التحتية لهذه المخيمات، بل فضحت أيضا إهمالا متواصلا من قبل قادة البوليساريو والنظام الجزائري الذي يدعمهم.
لم تتحرك السلطات الجزائرية لإنقاذ هؤلاء المحتجزين، الذين وجدوا أنفسهم وحيدين تحت الأنقاض، بينما تتداول مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور مؤلمة تظهر حجم الدمار والدموع التي تغمر الوجوه.
ورغم المخاطر الجسيمة التي تهدد حياة الآلاف، يبدو أن النظام الجزائري يواصل تجاهل هذه الأزمة الإنسانية.
في هذه المخيمات، يعيش المحتجزون منذ أكثر من خمسة عقود في ظروف تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
هي واحدة من أبشع صور الاستغلال البشري في تاريخنا الحديث، حيث يترك الإنسان ليواجه مصيره المأساوي وسط عالم متجاهل، بينما يستمر الاستغلال السياسي على حساب أرواح بريئة.
المحتجزون في تندوف لم يعودوا ضحايا للظروف الطبيعية فقط، بل هم أيضا ضحايا إهمال واستغلال سياسي لا يعرف الرحمة.
وفي هذا الظرف القاسي، لا يتبقى لهم سوى رفع أصواتهم عاليا، لعل النداءات تجد آذانا صاغية من المنظمات الدولية التي قد تكون الأمل الأخير لإنقاذهم من هذا الجحيم المزدوج، بين غضب الطبيعة وقسوة البشر.