ها نحن مجددا أمام “أطروحات الخيال السياسي” التي لا تجد لها مكانا إلا في رؤوس أصحابها، تطفو على السطح كلما سنحت الفرصة، مثل أسطوانة مشروخة تحاول أن تعيد عزف نشازها على مسامع المغاربة.
هذه المرة، يطل علينا عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بدعوة مثيرة للضحك أكثر مما تستحق الرد، مطالبا بـ”إعادة النقاش حول جمهورية الريف”، وكأننا أمام وثائقي تاريخي يحتاج إلى إعادة إنتاج بنكهة الإثارة الزائفة.
لا بأس، لنترك له مساحة للحلم، فالحلم لا يحتاج إلى منطق ولا إلى أدلة. لكن أن يتجاهل الرجل التاريخ، ويغمض عينيه عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي يؤكد تماسك المغاربة ووحدتهم، فذلك سقوط حر في هاوية العدمية السياسية.
الحديث عن “جمهورية الريف” وكأنها مشروع معلق يحتاج فقط إلى من ينفض الغبار عنه، هو ضرب من الخيال السياسي الذي يليق بحلقات التنجيم السياسي لا بالحوار الجاد.
من المدهش كيف يحاول البعض إعادة تدوير أزمات الماضي واستغلالها كأنها أوراق رابحة في لعبة خاسرة؛ بل الأدهى أن يتم استغلال مآسي الشعوب الأخرى، مثل مأساة الفلسطينيين في غزة، للعب على أوتار الانفصال والتفرقة.. إنه خلط متعمد للأوراق، لا هدف منه سوى زرع الفوضى وخلق الأوهام لدى من لا يزال يعيش في كهوف الأيديولوجيات البائدة.
وإذا كان البعض يراهن على زرع الفتنة، فعليه أن يراجع حساباته جيدا، فالمغرب ليس لعبة سياسية عابرة، وإنما دولة متجذرة في التاريخ، اختارت المصالحة والتنمية بدلا من الغرق في مستنقع المزايدات الرخيصة. والريف، ذلك الجزء الأصيل من المغرب، لم يكن يومًا كيانًا منعزلًا أو “مستعمرة” تحتاج إلى التحرير، بل هو قلب نابض للوطن، وساكنوه كانوا دائمًا في طليعة المدافعين عن وحدة البلاد واستقرارها.
المغرب ماض في طريق التنمية، والمغاربة، بمن فيهم أبناء الريف، يدركون أن الرهان على الماضي البائد هو رهان خاسر، وأن خطاب “بعث الأوهام” لا مكان له في واقع يفرض العمل والبناء بدلا من العيش في أحلام اليقظة السياسية.