تتجدد الشراكة الاستراتيجية القائمة بين المغرب وإسبانيا باستمرار. فبفضل القرب الجغرافي، والتاريخ الضارب في القدم، والتكامل المتفرد وتقاسم المصالح الاستراتيجية، حرصت الرباط ومدريد دوما على ترجيح منطق الحكمة من أجل بناء شراكة مستدامة.
وتعمل المملكتان، الجارتان التاريخيتان والفاعلان المحوريان في تنمية الجوار الجنوبي، بشكل دؤوب، من أجل جعل شراكتهما متعددة الأوجه والأبعاد نموذجا للشراكة شمال/جنوب التي تعود بالنفع على كلا الجانبين، ما يتيح رفع الرهانات ومواجهة التحديات المفروضة بفعل السياق الدولي المضطرب.
هو نفس صوت الحكمة والاعتدال والتبصر الذي مكن البلدين من كسر الحواجز وتجاوز الصعاب، ووضع مستقبل واعد نصب عينيهما، بناء على خارطة طريق غير مسبوقة جرى اعتمادها في أبريل الماضي، وذلك بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، إلى المغرب بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ومن خلال الاستناد على أسس متينة، تعتبر إسبانيا بموجبها المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء المغربية المقدمة في 2007 “الأساس الأكثر جدية، واقعية ومصداقية لتسوية هذا النزاع”، فإن خارطة الطريق هذه “الطموحة والمستدامة” تحدد المبادئ التوجيهية لبناء شراكة شاملة ومتجددة، قصد الاستجابة للتحديات الراهنة، من قبيل الهجرة، والإرهاب، والتنمية المستدامة والبيئة، ولكن أيضا التحديات المستقبلية مثل الأمن الغذائي والتحول الإيكولوجي والذكاء الاصطناعي.
وعلى هذا الأساس، فإن البلدين الذين منحا دفعة جديدة لمجموعات العمل المحدثة بينهما من أجل إعادة إطلاق التعاون الثنائي متعدد القطاعات، يلتزمان بمعالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك “بروح من الثقة والتشاور، بعيدا عن الأعمال أحادية الجانب وفرض الأمر الواقع”.
وإدراكا منها للأهمية الإستراتيجية للمغرب كشريك موثوق وذي مصداقية، تصر إسبانيا على ضرورة الحفاظ على علاقة مميزة مع المملكة.
وفي هذا السياق، أبرز رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، تميز علاقات التعاون القائمة مع المغرب، مؤكدا على “الأهمية الاستراتيجية” للحفاظ على “أفضل العلاقات” مع المملكة.
وأوضح سانشيز بمجلس النواب أنه “من مصلحتنا الحفاظ على أفضل العلاقات، ليس من أجل إسبانيا فحسب، ولكن أيضا من أجل الاتحاد الأوروبي”، مشيرا إلى أن “الحقائق والواقع يؤكدان أهمية المغرب بالنسبة لإسبانيا وأوروبا”. وأكد رئيس الجهاز التنفيذي الإسباني أنه “سيدافع دائما عن الحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب”.
وفي هذا السياق، شدد رئيس الحكومة الإسبانية على “أهمية” الاجتماع رفيع المستوى القادم بين المغرب وإسبانيا، من أجل إعطاء دفعة جديدة للتعاون الثنائي.
وفي السياق ذاته، أكد العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس أن الاجتماع رفيع المستوى المقبل بين المغرب وإسبانيا سيمكن من تعميق “العلاقات الثنائية واسعة النطاق”.
وقال العاهل الإسباني في كلمة ألقاها بمناسبة استقبال خص به السلك الدبلوماسي المعتمد بإسبانيا، إن “هذا اللقاء الذي لم يعقد منذ العام 2015، سيتيح تعميق علاقاتنا الثنائية واسعة النطاق، من أجل العمل سويا على أسس أكثر متانة”.
وأكد الملك فيليبي السادس أن المغرب وإسبانيا دشنا “مرحلة جديدة” في علاقتهما الثنائية، مشيرا إلى أن الاجتماع رفيع المستوى “يندرج في إطار خارطة الطريق المتفق عليها في أبريل الماضي”.
وأوضح العاهل الإسباني أمام السفراء المعتمدين في إسبانيا، أن “الجوار الطبيعي لإسبانيا والعلاقات الوثيقة للغاية التي تجمعنا في مختلف المجالات لا ينبغي إهمالها”.
هكذا، فإن اجتماع الرباط من شأنه وضع لبنة جديدة في صرح الشراكة الإستراتيجية القائمة بين بلدين ينظران إلى ماضيهما بحكمة ويستشرفان مستقبلهما بكل تفاؤل وثقة متجددة.