المغرب 24 : وكالة الأنباء الألمانية
تحتل مدونة (قانون) الأسرة أو الأحوال الشخصية حيزا هاما في النقاش العام الدائر بالمغرب مؤخرا، في سياق مطالبة عديد الهيئات والمنظمات بمراجعة القوانين التي تنظم أحوال الأسرة -بعد عقدين من تجربة المدونة- انسجاما مع روح دستور 2011 ومسايرة للتحولات التي يعيشها المجتمع.
أولى الإشارات جاءت حينما دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش يوم 30 يوليو 2022 إلى مراجعة القانون المنظم للأسرة، لتجاوز ما أسماها بالاختلالات والسلبيات التي أظهرتها التجربة العملية لهذا القانون الذي تم تعديله آخر مرة عام 2004.
تواصل النقاش حول قانون الأسرة
ورغم أنه لم يتم بعد تحديد الجهة التي ستسند إليها مهمة مراجعة مدونة الأسرة، هل هي وزارة العدل أو البرلمان أو لجنة خاصة مثلما حدث قبل 20 عاما؟ فإن الكل يجمع على كون الوقت قد حان لإعادة النظر في بعض مواد هذا القانون.
عندما اعتمد قانون الأسرة عام 2004 اعتبر حينها ثورة لما رافقه في ذلك الوقت من نقاش وجدل، حيث بلغ الأمر باللجنة المكلفة باقتراح التعديلات إلى الانفتاح على مذاهب أخرى غير المذهب المالكي -المذهب الرسمي في المغرب- من أجل الاستجابة لمجموعة من المتغيرات التي شهدها المجتمع المغربي.
وكما كان عليه الأمر قبل عقدين من الزمن، فإن مواضيع مثل تقسيم الإرث، وزواج القاصرات، وتقسيم الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال فترة العلاقة الزوجية، والطرد من بيت الزوجية، والولاية الشرعية والحضانة، تعدّ أبرز المواضيع التي استأثرت بحيز واسع من النقاش العام.
إنصاف المرأة
يقول رئيس حزب الحركة الشعبية محمد أوزين، في تصريح خاص للوكالة الألمانية، إن القوانين “مهما كانت متقدمة تظل غير كافية لبلوغ هدف إنصاف المرأة وتحقيق المساواة”، لذلك يدعو أوزين وحزبه إلى “فتح نقاش عميق يتجاوز ما هو تشريعي وقانوني إلى مراعاة الأبعاد الثقافية والاقتصادية والإعلامية ومحاربة الصور النمطية التي تروجها وسائل التواصل الاجتماعي عن المرأة”.
ويضيف أوزين “تشير المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية إلى أن المرأة هي الأكثر عرضة للهشاشة وتداعيات الأزمات الصحية والبيئية وتبعات موجة الغلاء، لذلك يتعين علينا صون كرامة النساء ودعمهن وتمكينهن اقتصاديا من خلال المشاريع المدرة للدخل في إطار اقتصاد تضامني واجتماعي”.
ودعا أوزين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية) “باعتباره مؤسسة تحظى بالقوة الاقتراحية إلى إطلاق نقاش عمومي وتعددي ودينامية تفكير جماعي مسؤول، من أجل مكافحة كافة أشكال الميز والعنف التي لا تزال المرأة ضحية لها”.
كما حث المتحدث نفسه على “مناقشة كافة القضايا التي لا تزال تلقي بظلالها على المدونة مثل زواج القاصرات الخاضع للسلطة التقديرية للقضاة، وطول مسطرة الطلاق التي تتجاوز 6 أشهر، مما يجعل التعايش الأسري مستحيلا، بل يزيد من حالات العنف داخل العائلة”.
وتقول عاطفة تمجردين نائبة رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في حديثها إلى الوكالة الألمانية، إن مدينة الدار البيضاء تتصدر قائمة المدن التي تسجل فيها أعلى نسبة من طلبات تزويج القاصرات. وتضيف “تزويج الطفلات يشكل لنا مصدر قلق كبير”.
فقد زادت طلبات الإذن بزواج القاصرات من 30 ألفا عام 2006 إلى ما يفوق 32 ألفا عام 2018، ومثلت نسبة زواج القاصرات 10% من عقود الزواج الصادرة عام 2015، كما تمت الموافقة على حوالي 85% من الطلبات المقدمة بين عامي 2011 و 2018، علما بأن هذه الإحصائيات لا تشمل الزواج غير الرسمي مثل الزواج العرفي غير الموثق، الذي يسمى محليا “الزواج بالفاتحة”.
كما تشير عاطفة إلى الزواجات التي عقدت بموجب مادة ثبوت الزوجية (المادة 16 من مدونة الأسرة) والتي تمثل وحدها 15% من حالات زواج القاصرات المبرمة بين عامي 2015 و2019. وتقول إن “هناك تواطؤا بين الأسرة والقضاء يجعل البنت ضحية”، وترى أن “هذا الزواج يجعل القاصرة في حكم الراشدة، وهذا أمر له تبعات نفسية واجتماعية خطيرة”.
ومقابل زيادة طلبات تسجيل زواج القاصرات، تكشف الأرقام وضعا آخر يتعلق بارتفاع كبير في حالات الطلاق، مما يطرح أسئلة جوهرية عن مستقبل مؤسسة الأسرة، والأدوار الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تضطلع بها، وقدرتها على توفير فضاء ملائم لتربية الأطفال وتنشئتهم في ظل الصعوبات الحقيقية ذات الطبيعة المركبة التي تواجهها.
ولعل هذه النقطة هي التي تفسر تحفظ بعض الأحزاب والجمعيات المحافظة على المدونة الحالية مثل حزب العدالة والتنمية، الذي عارض مجموعة من مطالب التعديل التي رفعها خصومه قبل 20 عاما، كما ساهم في النقاش الحالي من خلال بيان طالب فيه بتفعيل دور المؤسسات الدستورية وتنفيذ السياسات العمومية الخاصة بشؤون الأسرة بما يساهم في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتنموية الحقيقية التي تعاني منها.
وشدد الحزب على ضرورة المحافظة على الهوية المغربية التي يتبوأ فيها الدين الإسلامي الصدارة، محذرا من خطورة استيراد عدد من الإشكاليات والقضايا والنماذج التي لا تمت بصلة إلى المجتمع المغربي ومرجعيته الدينية، مع التنبيه إلى آثارها السلبية وخطورتها الكبيرة على استقرار الأسرة، وقوة المجتمع وصموده في وجه التحديات والصدمات التي تواجه البلد.
المطالبة بإلغاء زواج القاصرات
وإذا كانت بعض الجمعيات تطالب بإلغاء زواج القاصرات، فإن رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية بثينة قروري تدعو لمعالجة هذه النقطة بالتدرج، وإعداد المجتمع ليتقبّل الموضوع ويناقشه بهدوء ويتقبل مراجعة مجموعة من فصول المدونة التي شهد تطبيقها مجموعة من الإكراهات.
وطالبت بثينة في الوقت ذاته بضرورة تعديل المادة 49 من المدونة -الذي يتعلق بموضوع تقسيم الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال فترة العلاقة الزوجية- وقالت إن الإشكال القضائي المطروح هو عدم التمييز بين الكد والسعاية، ونظام الأموال المكتسبة.
من جهتها أوضحت الخبيرة في الوساطة الأسرية زينب الفرنيني، في تصريح إلى الألمانية أن “أغلب القضايا التي يتم حلها عبر آلية الوساطة التي يعتمدها عدد من مراكز الاستماع التابعة للجمعيات النسائية، لها علاقة بقضايا الخلافات حول النفقة، وحضانة الأبناء، وتقسيم الممتلكات بما فيها بيت الزوجية”.
وأكدت زينب الفرنيني أن هذه الآلية تنجح في كثير من الأحيان في ما يفشل فيه القضاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بإثبات مدخول الزوج من طرف الزوجة.
وأضافت زينب بخصوص رؤيتها لمدونة الأسرة الحالية، أن جمعيتها “تطالب بإصلاح بعض المواد فقط، وتتطلع لمراجعة شاملة لها في لغتها التي أصبحت لا تناسب العصر، وكذلك من حيث المقاربة الحقوقية، حيث لا يعقل أننا في المدونة نقول إنها يجب أن تعكس المشروع المجتمعي الذي يضمن الأمن والعيش الكريم لكل أطراف الأسرة، في حين نجد فصولا تكرس المكانة الدنيا للنساء، مثل النيابة الشرعية التي تعطى فقط للرجل، وزواج الأم الحاضنة وتزويج الطفلات وأشكال وأنواع الطلاق، فضلا عن كون المدونة كلها كتبت على أساس مبدأ القوامة والاتجاه الأبوي الذي يجعل الرجل رئيسا للأسرة”.