في تطور غير متوقع، وجدت السلطات الجزائرية نفسها أمام تفش حاد لمرض الملاريا في المناطق الجنوبية، مما أثار تساؤلات جدية حول كفاءة النظام الصحي الوطني.
هذا الحدث المفاجئ كشف عن ثغرات عميقة في الجاهزية والاستجابة، وأطلق نقاشا واسعا حول قدرة البلاد على التعامل مع الأزمات الصحية الكبرى.
في وقت حرج كهذا، لم تعد الأزمة مجرد تحد صحي، بل أصبحت مرآة تعكس هشاشة نظام يدار بعقلية عسكرية تعجز عن مواكبة الأزمات الصحية الطارئة.
فيما تتضارب المعلومات حول أعداد الضحايا والمصابين، يعيش الجزائريون بين تناقضات صارخة؛ شهادات المواطنين التي تروي معاناة حقيقية، وتطمينات رسمية تحاول إخفاء الحقيقة.
لكن الوعود التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون خلال حملته الانتخابية حول تحسين الوضع الصحي باتت اليوم عارية من أي مصداقية، مع فشل النظام في مواجهة أزمة بهذا الحجم.
التفشي السريع للملاريا في ولايات مثل تمنراست، تيمياوين، وبرج باجي مختار دفع الحكومة إلى إعلان حالة الاستنفار، إذ أن مجلس الوزراء انعقد بصورة عاجلة لمناقشة التدابير الوقائية التي ادعت الحكومة اتخاذها، ومع ذلك، بقيت النتائج دون المستوى المطلوب، حيث أن الوباء استمر في الانتشار، ليكشف عن ضعف بنية تحتية صحية طالما تباهى بها النظام، في وقت كان يروج لنفسه كواحد من أفضل الأنظمة الصحية في المنطقة.
وفي ظل التقارير الرسمية التي تؤكد “السيطرة على الوضع”، كانت هناك شهادات محلية تروي قصة أخرى أكثر مأساوية.
بعض المصادر أفادت بأن عدد الوفيات تجاوز 200 حالة، فيما يعيش مئات المصابين تحت رحمة نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية، ما زاد من ضغط هائل على المستشفيات في الجنوب، والتي لم تحصل على أي دعم ملموس من العاصمة.
لقد كشفت هذه الأزمة عن هشاشة البنية التحتية الصحية في الجزائر، والتي يبدو أنها ليست مجهزة لمواجهة أزمات كبيرة كهذه، خاصة في المناطق النائية والجنوبية.
ورغم حديث النظام المستمر عن “مناطق الظل”، إلا أن هذه المناطق بقيت تعاني من الإهمال والتهميش، ما أدى إلى تفاقم مشاعر الغضب والاستياء الشعبي، خصوصًا في الجنوب الذي يشعر بالتجاهل المتعمد.
وتزداد حدة الأزمة مع بروز التفاوت الواضح بين شمال البلاد وجنوبها، حيث أن العاصمة والمناطق الشمالية تتمتع بخدمات صحية واستثمارات متزايدة، بينما يرزح الجنوب تحت وطأة نقص حاد في الخدمات الأساسية.
في هذا السياق، بات واضحا أن المنظومة الصحية الجزائرية، التي يروج لها النظام العسكري، ما هي إلا واجهة هشة، غير قادرة على التصدي لأزمات صحية كبيرة، ما يعرّي تماما فشل الحكومة في الوفاء بتعهداتها تجاه مواطنيها.