شكلت تصريحات مسؤولي مؤسستين وطنيتين من حجم والي بنك المغرب والمندوب السامي للتخطيط، ناقوس إنذار للحكومة على أننا في مفترق الطرق لدخول الانكماش الاقتصادي مرحلة أصعب والإصابة بوباء التقشف، بفعل عدة عوامل داخلية وخارجية، والعودة الى ما سمي بسياسة التقويم الهيكلي، رغم اثارها المدمرة لكل القطاعات الاجتماعية وتقويض مفهوم الدولة الاجتماعية ومشاريعها الإنسانية واهداف النموذج التنموي الجديد.
وجاء في بلاغ للمنظمة الديمقراطية للشغل، توصلت “المغرب 24” بنسخة منه، أنه إما أن تتخذ الحكومة قرارات جريئة شفافة، وديمقراطية ذات بعد اجتماعي، توفر فرص الشغل اللائق، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتقطع فعلا مع الريع والفساد والاحتكارات وتحد من التهرب الضريبي، لتقليل فجوة الاحتقان الحاصلة في المجتمع، أو أن تنزلق تدريجيًّا إلى حافة الانهيار الاجتماعي، مع التأثيرات المتراكمة للبطالة المتفشية في أوساط الشباب المغربي، مما يهدد بالقضاء على ما تبقى من أمل في تحقيق العدالة الاجتماعية والدولة الاجتماعية.
وأشار البلاغ ذاته إلى أنه لا أحد ينكر أننا نعيش فترة حرجة جدا من حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية و السلع والخدمات والأدوية وأسعار المحروقات، وبصورة غير مسبوقة، بجانب فرض ضرائب مرتفعة على المواد الغذائية الأساسية والمستلزمات المنزلية والدواء والمحروقات، وما تخلفه من تأثير سلبي على القدرة الشرائية للأسر المغربية ذات الدخل الأدنى والمتوسط، والتي تعاني أصلا من محدودية مواردها، وهو ما أدى الى سقوط ملايين المواطنين في براتين الفقر وتفاقم التفاوتات الطبقية والاجتماعية، خاصة بفعل تأكل الأجور وارتفاع معدل التضخم الى ما فوق 10 % وعوامل أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية داخلية وخارجية، الحقت الضرر أكثر بالطبقة العاملة، ووسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتساهم اليوم في زعزعة الاستقرار الاجتماعي.
وفي ذات السياق ذكر المصدر ذاته، أنه تفاديا لمزيد من تأزم الأوضاع، دعونا في المنظمة الديمقراطية للشغل الحكومة المغربية الى إعادة النظر في مخططاتها وبرامجها وترتيبها للأولويات وفق المعطيات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة والمتغيرات المتسارعة على المستوى الدولي، وذلك ضمن خطة توقيف التبذير وترشيد الإنفاق، واتخاذ مجموعة من القرارات الاجتماعية لعلاج الأزمة، بحلول آنية وخطط متوسطة وطويلة الأمد، واعتماد مناهج للتنمية والصناعة الفلاحية والغذائية وتطوير وزيادة الإنتاجية الفلاحية وتخفيض أسعار البدور وجلب تكنولوجيا حديثة للصناعية الفلاحية لتحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي والمائي.
ومن جهة أخرى نوهت المنظمة الديمقراطية للشغل، أنه حسنا فعلت الحكومة مؤخرا بعدما صادقت على مرسوم سيتم بمقتضاه سن تدابير مؤقتة لتقديم الدعم المباشر للأرامل في وضعية هشة واللواتي يحتضن أطفال يتامى في اتجاه اصلاح أنظمة المساعدة الاجتماعية وجمعها في نظام موحد، وبعد تحويل المستفيدين سابقا من نظام “راميد” الى نظام “أمو تضامن” بعد طول انتظار تفعيل السجل الاجتماعي الموحد لتحديد الفئات المستهدفة بالدعم والمساعدة الاجتماعية، نتمنى أن يخرج نظام ومعايير الاستهداف والاستفادة من الدعم المباشر من الممارسات التقليدية المبنية على معطيات وتقييم “المقدم والشيخ” إلى مناهج ومعايير موضوعية علمية عادلة ومنصفة للفئات الفقيرة ودوي الاحتياجات الخاصة ودوي الإعاقة.
ودعت المنظمة الديمقراطية للشغل الحكومة إلى تنفيذ التزاماتها بتحسين أوضاع الطبقة العاملة من خلال الزيادة العامة في أجور الموظفين والعمال وفي معاشات المتقاعدين ودوي حقوقهم، ومراجعة النظام الضريبي على الدخل بتخفيض معدل الحد الأقصى الى 34 %، واعفاء الدخل الذي يقل عن 50 الف درهم في السنة، والاعفاء الكلي لمعاشات المتقاعدين، لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل الأجور والمعاشات، بفعل التضخم خاصة أن هذه الفئات تتحمل أعباء كثيرة لتغطية حاجيات أبنائها ، فضلا عن الدعم الذي تخصصه لأمهاتهم وابائهم واخواتهم العاطلون عن العمل، والإسراع بإيجاد حلول منصفة للملفات وللقضايا المزمنة في مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والقطاع الخاص.
وتدعو أيضا إلى وضع خطة اقتصادية شاملة، وتوزيع الخسائر بشكل حسب مَن أستفاد أكثر ظل الأزمة، بفرض ضريبة على الثروة وعلى أرباح المتاجرة في الأسهم، وتخفيض الضريبة على القيمة المضافة على سلة الغذاء المكونة من لائحة مواد غذائية واسعة الاستهلاك لدى الأسر المغربية وتسقيف أسعار المحروقات، و تشجيع الصناعة المحلية والإنتاج الوطني لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك ومحاربة سوء التغذية وتحقيق والسيادة الغذائية، والتخفيف من العبء الضريبي على المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة وفق معايير مدى احترامها لمدونة الشغل ولقانون الحماية الاجتماعية، و خلق مناصب الشغل .
وطالبت المنظمة الديمقراطية للشغل أيضا، بوضع نظام صارم للمراقبة الميدانية للأسعار وضبطها ومدى توافرها في الأسواق ومدى جودتها وصلاحيتها ومطابقتها للمواصفات، حفاظاً على الصحة العامة للمواطنين، والضرب بيد من حديد على المضاربين والمفسدين المروجين للمواد الغذائية والأدوية والسلع الفاسدة والمغشوشة أو المنتهية الصلاحية، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية اتجاه من يتلاعب بالأسعار وبجودة المواد والسلع.
وكذلك ومثال بالنسبة للاستثمار في التقدم العلمي والتكنلوجي وفي الصحة والتعليم لبناء رأس المال البشري وتكوين جيل جديد من الكفاءات والأطر واليد العاملة لمواجهة التحديات والمتغيرات على المستوى الدولي السياسية والاقتصادية والبيئية والوبائية، لتحقيق السيادة الوطنية وأهداف التنمية المستدامة.
وفي الأخير، دعت المنظمة أيضا إلى تعزيز التواصل الديمقراطي بين الحكومة والمركزيات النقابية والمجتمع المدني والمواطنين واطلاعهم المباشر على كل المشاكل بشكل شفاف ومقنع محفز للمشاركة، والحد من اشتداد حالة التأزيم للمشهد السياسي سببه الأول والأخير تصريحات ومواقف بعض وزراء الحكومة غير معنيين بواقع ومعاناة المواطنين ومأساتهم يفتون في كل شيء حتى وإن كان مخالفا ومسيئا للقيم والأخلاق السياسية ويكرسون الشعبوية التي تهدد تماسك المجتمع.