بقلم : الدكتور حسين خطار
وأنا في زيارة لأهلي بنواحي مدينة تاهلة، استوقفني منشور في الفيسبوك يهم ندوة وطنية حول “تاهلة ومنطقتها. الموارد الترابية المحلية رافعة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة” من تنظيم الأصدقاء في جمعية أدرار للتنمية، وبدرجة إحساسي المفرط حيال موضوع التنمية في هذه المنطقه المهمشة، وجدت نفسي مهتما، نوعاً ما بكثير من الفضول، بالموضوع، :
لا أخفيكم أصدقائي الأعزاء في أدرار، فضولي هذا كان مرده في البداية “شعار” ندوتكم الذي يصيب ببعض من عدم الارتياح.. شعار حمولته الحياد والتجرد.. ولنقل حمولة تجسد كل أنواع التدرع بالقبعة الأكاديميه وتبتعد كل البعد عن كونها بوح حول ما يشعره اهالينا في واقعهم المرير والمهمش، في الجبال خصوصا.. ذلك الواقع المعيشي البسيط الذي لا يزنه الأكاديمي إلا بأدوات المختبرات والتي يكون همه فيها تجريب مدى صدقية فرضياته البحثية المهيأة مسبقا..
يأتي هذا الكلام مناسبتيا في سياق تعرفونه حق المعرفة، يرتبط بكارثة الحريق الذي حل بمنطقتنا الصيف الماضي والذي أيقظ فينا الإحساس بالغبن تجاه منطقتنا، حيث عزمنا أمام هول الكارثة أن نعترف بديننا تجاه المنطقة ونرد قسطا منه.. وأجمع الكل على الترافع حول المنطقة، كونها عاشت كثيرا من التهميش ولم تنل أبسط حقوقها من الكم الهائل من السياسات العمومية التي نسمع عنها صباح مساء، خصوصا في المدن الكبرى.
فكرة الندوة ليست عيبا في حد ذاته.. وزن الأساتذة والباحثين المشاركين لا غبار عليه.. لكن كم وددنا أن تكون ندوة للتدافع في الرؤى والنقد وفي الترافع أمام مسؤولي تنزيل السياسات العمومية محليا.. وكم وددنا أن تكون هناك كلمات لكل الفاعلين محليا، أقصد أساسا تلك المجموعات التي كانت بجانب أهالينا حينما حلت بهم الكارثة..
ندوة حول أوراق أكاديمية.. حيادية ومجردة، في ظرف ما بعد الكارثة.. صراحة كم تذكرني بالكثير من الندوات الشكلية التي نجدها بكثرة على هوامش مهرجانات الصيف العديدة والمتعددة والنمطية والتي تنبت كل صيف كالفطر في كل بقاع المغرب وتتكرر إلى ما لا نهاية، والتي أضحت روتينا لا يزعج وطقسا يتكرر ولا ينتهي، ومناسبة يحبه الكثير من الأكاديميين (كالندوات الشكلية التي نجدها على هوامش مهرجانات التبوريدة و مهرجانات الفلكلور وغيرها).
إنه التجرد الذي لا يسجل الموقف.. و هو ما يعيب أدوار هذه الندوات، للتذكير فالتجرد هو نوع من الحياد وهو ليس بالمدخل العلمي السليم كما يشاع، بل هو قفز منظم ومدبر على الواقع، وكما يقول أهل الإختصاص في الاقتصاد السياسي مثل أمارتيا سين Amartya Sen فالتنمية مسلسل ينطلق حينما يبدأ إعطاء الكلمة للمعنيين بالتنمية للتعبير عن أختياراتهم، والتنمية في حد ذاتها تنويع وتجسيد لتعدد الاختيارات بكل حرية، وهي بذلك لا تنطلق من الفكر المجرد، وهو بطبعه فكر متعالي، وفكر لا يبالي.
كم ذكرني تمرين هذه الندوة بكتاب “حقيقي” للمهدي عامل “أزمة الحضارة العربية أم أزمة البورجوازيات العربية”، وهو كتاب قيم يحلل فيه المهدي عامل خطاب نخبة من المفكرين، بما فيهم مجموعة من أصدقائه، الذين ساهموا في ندوة نظمت بالكويت، وينتقد خطابهم المجرد والحيادي ويقول إن الوعي الحقيقي يتأتى من خلال التموقع السليم (مع التحفظ حول الفرق الشاسع بين الموضوع والتوقيت والإشكال وغيره بين كتاب المهدي عامل و” ندوة تاهلة”).
ونحن لا تفصلنا إلا قرابة ثلاثة أشهر على ذكرى كارثة الحريق، وجب التساؤل ما الجديد وماذا تغير؟ أتحدث عن ماذا تغير بنيويا؟ وهل انطلقت إشارة أو إرادة ما مفادها تغيير حال أهالينا هناك في اتجاه يبشر بتغير نمط عيشهم القاسي؟ (لا تحدثونا رجاء عن المساعدات العينية الموسمية، ففيها حديث كثير)؟ حدثونا عن عزلتهم، عن أبنائهم الذين يقطعون كيلمترات عديدة بحثا عن مدرسة، عن جودة تعليمهم، عن التجهيزات الصحية لديهم، عن أثار الجفاف عليهم، عن زرعهم الذي اصبح لا يغني ولا يسمن، عن مواشيهم التي أصبحو عاجزين عن المحافظه عليها، عن بيوتهم من القش، عن عيونهم ومائهم الذي نضب أغلبه، حدثونا عن أثار موجة التضخم والغلاء عليهم، عن أشجار زيتونهم التي أتت عليها الحرائق وحرمتهم لسنين من مدخولهم القليل، حدثونا رجاءا من خلال كل هذا عن شروط امكانية ولوجيتهم للتنمية من عدمها، حدثونا عن مدى توفر شروط انطلاق الصيرورة التنموية هناك leurs conditions de possibilité pour enclencher un processus de développement، للإستئناس في الجواب حول هذه التساؤلات وحول حقيقة التنمية هناك سأنشر لكم بعض الصور مما خلفه الحريق ولكم أن تجدوا الجواب، أرى أن ذلك جد ملائم pertinent خصوصا أن الندوة ستستهل بكلمات متعددة لمسؤولين حول الشأن التنموي المحلي، رجاء اعطوهم الصور، واسألوهم عن رأيهم، ورجاء فلتكن ندوة تحرص ولو قليلا على التموقع في المكان السليم، وأوصلوا فقط هذه الصور للمسؤولين، وهي صور لواقع غير بعيد عن الأنظار بكثرة ما هو واقع بعيد عن الإرادة.
هي صور للشبكة الكهربائيه بمنطقة الخزارية بعين الرحى وهي شبكة أضحت خطرا محدقا على السكان وخطرا قد يتسبب بحريق أخر لا قدر الله، وهي شبكة أتلفها الحريق وبقيت على حالها، كأن لا مسؤول يكثرت، وهي بمحاذاة الطريق والكل الذي يمر من هناك يراها بما فيهم المسؤولون منهم، وهم يرونها ويتممون طريقهم دون اكثرات، هذه صور كمثال لواقع حال معين مر والذي لا يختلف على وقائع أخرى أكثر مرارة، وقد يطول الوقت والمكان لسرد حال أمثلة أخرى أكثر مرارة غير شبكة الكهرباء ونشر كل صورها.
هذا واقع قاس وهو بذلك شرط كافي شدني للتفاعل مع تمرين الندوة هذا..