قال الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، اليوم الإثنين في أعقاب الدورة التكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين الجدد، المنظمة بالمعهد العالي للقضاء، إن انعقاد هذه الدورة التكوينية يأتي في إطار تفعيل ما نص عليه القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة في مادته 51. التي جاء فيها على أن المسؤولين القضائيين يتلقون تكوينا خاصا حول الإدارة القضائية.
وأضاف الداكي أنه يأتي انعقادها أيضا في سياق مطبوع بمجموعة من التحولات التي تعرفها منظومة العدالة ببلادنا خاصة بعد تنزيل المقتضيات الدستورية والقانونية والتدبيرية المؤطرة لها، هذا التحول الهام الذي لا يمكن أن تكتمل لبناته إلا بتأهيل الموارد البشرية والنهوض بالتكوين بمختلف أصنافه وصوره باعتباره أحد أهم المداخل الأساسية لتأهيل منظومة العدالة وجعلها قادرة على ترسيخ سيادة القانون والرفع من نجاعة أدائها وتقوية الثقة والمصداقية في النظام القضائي باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون والرافعة الأساسية للتنمية.
وقال رئيس النيابة العامة: لا ريب في أن المسؤول القضائي اليوم مدعو لفهم واستيعاب دقة المرحلة والتحديات الكبرى التي تعرفها السلطة القضائية بجميع مكوناتها، والانخراط التام بكل جدية وفعالية في كل البرامج التي تروم الرفع من جودة العدالة إلى جانب باقي الفاعلين لتحقيق النجاعة القضائية بمختلف صورها، والتي أضحت أمرا لا مندوحة عنه، مستنيرين في ذلك بالتوجيهات الملكية السامية في هذا الشأن، حيث ما فتئ جلالة الملك محمد السادس نصره الله يؤكد على أهمية التكوين في المجال القضائي، وهذا ما تجسده الرؤية السديدة والاستراتيجية لجلالته في خطابه السامي الأول بمناسبة افتتاح أشغال المجلس الأعلى للقضاء في 15 دجنبر 1999.
واستشهد المسؤول القضائي بقول جلالة الملك :”وعلى الرغم من كل ما تحقق فإننا نسعى إلى مزيد من التطوير والتحديث حتى نمكن قضاءنا من رفع التحديات التي تفرضها مشارفة الألفية الثالثة مما يقتضي تكوينا مستمراً ومنفتحاً”. انتهى النطق الملكي السامي.
وتابع “المسؤول القضائي اليوم لم يعد يقتصر عمله فقط على تتبع النشاط القضائي بالمحكمة وتدبير الجلسات فحسب، بل إن دوره أصبح كصاحب المقاولة الذي يضطلع بمهام تدبيرية بالأساس تتطلب منه استحضار معايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والحكامة الجيدة، واتخاد القرارات الصائبة، وامتلاك المهارات اللازمة وإنتاج الآليات والمناهج الكفيلة بالتدبير الأمثل بما ينعكس إيجابا على نجاعة الأداء القضائي، وحسن تدبير الموارد البشرية والمالية المتاحة، وتملك آليات التواصل، وجعل العدالة قريبة من المواطنين، والتشبع بالقيم والأخلاقيات والتقاليد القضائية الراسخة، وتدبير الأزمات وحسم الخلافات بهمة عالية وبتواصل مباشر، مع تكريس مبدأ الباب المفتوح لاستقبال المرتفقين الراغبين في تقديم شكاياتهم أو تظلماتهم إليه”.
وحول صعوبة المهام القضائية خاطب رئيس النيابة العامة القضاة الجدد بالقول “إذا كانت المهام القضائية على جسامتها، لن تشكل صعوبات كبيرة بالنسبة لكم، اعتباراً لمساركم القضائي وتجربتكم المهنية التي صقلتموها على مدار سنوات، فإن مهام المسؤول القضائي اليوم تقتضي الالمام بمجال واسع ومضطرد التطور، هو مجال الإدارة القضائية الذي يندرج ضمن مجال علم التسيير والتدبير، الذي يتطلب مهارات أخرى ربما لم تسنح الفرصة لأغلبكم لاكتسابها من خلال الممارسة”.
وأشار الداكي أن مجال الإدارة القضائية يتميز بعلاقات متشابكة داخلياً مع رؤسائكم ومرؤوسيكم، وأيضاً مع باقي منتسبي المهن القانونية والقضائية ومساعدي القضاء، والمجتمع المدني والسلطات المحلية والإعلام، مما يتطلب التحلي بالقيم القضائية، وإجادة تدبير الأزمات وحسم الخلافات، وتملك أساليب الحوار وفضيلة الانصات والتشاور ومد جسور التعاون والتواصل عبر إعطاء النموذج في النزاهة والمصداقية.
وشدد على أن الأمر مواكبة آليات التدبير الحديثة، لاسيما التوفر على برنامج عمل واضح يجسد تطلعات المسؤول القضائي وما يطمح لتحقيقه في محكمته وفق برامج قابلة للقياس، وهذا ما يحتم عليه تتبع تنفيذ برنامج العمل عبر وضع لوحة قيادة تتضمن المهام المحددة وآليات التنفيذ وآجاله، وأيضاً مؤشرات واضحة تمكن من قياس مستوى الأداء، والمتابعة المستمرة للنتائج المحققة من الأهداف، وتقييم أداء جميع المرؤوسين، كما تتيح تقييم المشاريع بشكل مستمر، والتأكد من فعاليتها وفعالية الأهداف المراد الوصول إليها.