في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي الوطني وتقليص التبعية للأسواق الخارجية، أعلن المغرب عن اعتماد الري التكميلي لمساحات شاسعة من زراعة الحبوب لأول مرة في تاريخه.
ويأتي هذا التوجه ضمن خطة شاملة لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، لاسيما توالي سنوات الجفاف، بحسب ما كشفه أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، خلال مشاركته في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس.
ويتوقع أن يبلغ الإنتاج الوطني من الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2024-2025 نحو 4.4 ملايين طن، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 41% مقارنة بالموسم الماضي.
ويعزى هذا التحسن إلى تحسن التساقطات المطرية خلال شهري مارس وأبريل، بعدما شهدت بداية الموسم الزراعي في أكتوبر نقصاً حاداً في الأمطار أدى إلى تراجع المساحات المزروعة.
وعانت المملكة خلال السنوات الست الماضية من توالي موجات الجفاف، مما دفعها إلى زيادة وارداتها من الحبوب لتأمين احتياجات السوق الداخلي.
برنامج طموح لري مليون هكتار
وأوضح وزير الفلاحة أن الوزارة أطلقت برنامجاً طموحاً للري التكميلي، يستهدف مليون هكتار من الحبوب، وذلك عبر اعتماد محطات تحلية مياه البحر والفائض المسجل في السدود.
ويهدف البرنامج إلى ضمان إنتاج سنوي يتجاوز 7 إلى 8 ملايين طن، حتى في ظل محدودية التساقطات المطرية، ومن المرتقب الشروع في تنفيذ هذا المشروع خلال العام الجاري في عدد من المناطق الفلاحية الكبرى، ويمثل هذا التحول في السياسة الزراعية رهاناً حاسماً أمام المغرب لتقليص فجوة الاعتماد على الخارج.
فقد بلغت واردات الحبوب العام الماضي نحو 10.2 ملايين طن، بزيادة 10% عن السنة السابقة، وفقاً لبيانات الجامعة الوطنية لتجار الحبوب والقطاني.
كلفة الاستيراد وضغط السوق
كلف استيراد القمح وحده المغرب نحو 1.7 مليار دولار في العام 2024، مسجلاً انخفاضاً نسبته 7.9% مقارنة بالعام 2023. ويستورد المغرب أساساً من فرنسا وأوكرانيا وروسيا، ما يجعله عرضة للتقلبات الدولية سواء في الأسعار أو في استقرار الإمدادات.
وتأمل الحكومة، من خلال تحسين الإنتاج المحلي، في تخفيف الضغط المالي الناتج عن فاتورة الواردات، خصوصاً في ظل تقلبات أسواق الغذاء العالمية وعدم استقرار سلاسل التوريد.
تبني الزراعة الحافظة لمواجهة الجفاف
وفي إطار سعيها إلى رفع مقاومة القطاع الفلاحي لمخاطر الجفاف، تعمل الوزارة على تعزيز استخدام تقنية “الزرع المباشر” ضمن أساليب الزراعة الحافظة. وتُعتبر هذه التقنية أداة فعالة للحفاظ على رطوبة التربة وتقليل استهلاك المياه، ما يعزز استدامة الإنتاج الزراعي في ظل ظروف مناخية صعبة.
أفق مستقبلي واعد
بحسب تقديرات وزارة الفلاحة، من المنتظر أن يسجل الناتج الداخلي الخام الفلاحي نمواً بنسبة 5.1% خلال السنة الجارية، مقارنة بانكماش نسبته 4.8% السنة الماضية، مما يعكس الأثر الإيجابي للسياسات الجديدة على الاقتصاد الفلاحي الوطني.
ويمثل هذا التحول الطموح في قطاع الحبوب خطوة نوعية نحو تعزيز السيادة الغذائية المغربية وتقوية قدرة الفلاحة الوطنية على الصمود أمام التقلبات المناخية والاقتصادية.